التعالقُ بين الحبُّ و الکهفُ والبعثُ دراسةٌ نقديةٌ في کيفية نقض المعنى کمنحىً تجريبي في مسرحية " أهل الکهف "

المؤلف

جامعة الباحة ( سابقا )

المستخلص

لم يرتکز توفيق الحکيم في مسرحية " أهل الکهف "  علىالتناص مع الطرح القرآني لأحداث هذه القصة ، کما لم يرتکز على الاستلهام – بمعناه التقليدي – المحدود – بل اعتمد على منحىً تجريبيٍ أکثر حرية واتّساعا للتجربة الجمالية ، وأکثر إبرازًا لقدرات الکاتب المسرحي ، وطاقاته الإبداعية ، وهو " نقض المعنى " ، فتوفيق الحکيم لم يحتفظ من القصة القرآنية إلّا بحدثين ، هما : سباتُ أهل الکهف ، وبعثهم من هذا السبات ، ثم بادر الکاتبُ إلى  نقض المعنى من خلال :-   أولاً :طرح دلالة جديدة للبعث– وهو جوهر المعجزة في القصة – فجعل البعث حدثًا واقعًا في القلب الإنساني ، مستندًا إلى قوى الحب القادرة على التصدي للتناهي البشري ، ولفعل الزمان وقوة الموت ، وطرح الکاتبُ الحبّ لصيقًا بالبعث وبرذخًا للخلود ، وجعل موت القلب سببا – أو مدخلًا للضعف البشري المؤدي إلى الموت الحقيقي والتناهي البشري . طرح توفيق الحکيم هذه الدلالة الخاصة من خلال التوظيف الرمزي للشخصيات ، ومن خلال نظام العلامات اللغوية ، وتعدد طبقات الدلالة في لغة الحوار ، ومن خلال تأطير أحداث المسرحية بمدارٍ من الحب والبعث – ابتداءً وانتهاءً – وصولًا إلى طرح وعدٍ ببعث جديدٍ من خلال ولادة حب جديد .
-    ثانيًا : قدم توفيق الحکيم شخصيته المحورية  باعتبارها بطلاً تراجيديًا ، منحرفًا بهذه الشخصية عن بعدها الديني کملمحٍ آخر من ملامح نقض المعنى .
-    ثالثًا : استطاع توفيق الحکيم  نقضَ المعنى - الخاص بقصة أهل الکهف – من خلال طرح الکهفِ   في أکثر من دلالةٍتخطَّت الحدود المادية  للمکان المعروف ؛  فقد طُرح الحبُّ کهفًا تأوي إليه الذاتُ الإنسانية بحثا عن الخلاص والنجاة من الاغتراب ، کما طُرح العقلُ کهفًا لمواجهة معضلات الوجود الإنساني ، وکذلک طُرح الإيمانُ کهفًا من الخوف والموت والوحشة . أمَّا الکهفُ المادي – کتجويفٍ صخريٍ – فقد طرحه الحکيمُ کمکانٍ أسطوريٍ – لا کمکان لأحداث قصة دينية – يقع في منطقة وسطٍ بين القبر والسکن ؛ فهو مُحتضنُ السبات الإعجازي ، ومُحتضنُ الحبّ القادر على -أکثر من - بعثٍ إعجازي . وهو الحلقةُ التي تربط الأزمنة المتضادة – المتنافرة في المنطق العقلي –المتضامة في المخيلة الإنسانية – أو في القلب العاشق .  وبهذا الطرح الخاص للأبعاد الدلالية  . ومن خلال هذه المعالجة الفنية المتفرّدة استطاع توفيق الحکيم أن يقدم للمسرح التجريبي – الفکري – عملًا يرقى إلى مصاف الأعمال الإبداعية الإنسانية ذات الطبيعة الملحمية ، فمسرحية أهل الکهف تحمل الطابع الملحمي من خلال تصديها لتصوير الصراع بين المتناهي والميتافيزيقي – الإنسان والزمان – وهو صراعٌ أکثرُ حدةً وقوةً – ورهبةً  وترويعًا – من التحام الشعوب والأمم في ساحات القتال .-   رابعًا :عرض  شخصيات المسرحية  في وضعيةٍ شبحية ، أو طيفية – حُلمية –مُبرّرة بوجودهم الإعجازي ، ومبررة – أيضا – بمعاناتهم من حلالات الشکِّ في وجودهم الفعلي خارج إطارهم الزمنيِ الماضوي . هذه الوضعية – في حدِّ ذاتها – علامةٌ ذاتُ دلالة رمزية على طبيعة الوجود الإنساني المغترب في الکون ، کما أنّها من ملامح التجريب البارزة في هذه المسرحية ، ومن أبرز ملامح المسرحي الحداثي عند " بريخت " ورفاقه .-  خامسًا :توظيف بناء المسرحية توظيفًا دلاليّا :
اشتملت هذه المسرحية على أربعة فصول ، دارت أحداث الفصل الأول – منها – والفصل الأخير ، في الکهف ، ودارت أحداث الفصل الثاني ، والفصل الثالث في بهو الأعمدة – في قصر الملک الجديد – فإذا ما استحضرنا الدلالة الرمزية لبهو الأعمدة – بوصفه رمزًا للحب - والقلب الإنساني  - المتصدّي للزمان والموت  ، وإذا ما استحضرنا ما تعلّق بالکهف من دلالاتٍ بوصفه رمزًا لقوى الزمان  – مجتمعة في الماضي والحاضر والمستقبل – ورمزًا للمکان الحامل للسمات الأسطورية ، أدرکنا أنّ وضعية فصول المسرحية بهذه الکيفية تبرزُ الحبّ باعتباره  قلب الوجود الإنساني المحاط بقوى الزمان الحتمية ، وتبرزُ الکهف - بوضعيته الرمزية -  کضلفتي بابٍ ، أو کمفتتح وختامٍ لهذا الوجود الإنساني . هذا التوظيفُ الدلالي للبنية الشکلية للمسرحية  توظيفٌ يبرزُ جرأة  توفيق الحکيم على ارتياد مسارات المسرحي التجريبي بمعالجة تدلُّ على الاقتدار الفني ، والتمکّن من أدوات الإبداع المرتکزة على عمق الفکر والمهارة في تطويع الشکل الفني لإبراز الرؤية الفکرية بأبعادها الثرية التي تتصدّى بتعدد احتمالاتها ، ولا تناهيها – الفکري -  للتناهي البشري .
 

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية