وَسَائِلُ التَّحْويِلِ بِالحَذْفِ والإيجاز فِي لُغَةِ الحَدِيْثِ النَّبويِّ في صحيح البخاري. بحث مستل من الفصل الثاني من رسالة دکتوراه عنوانها: (اَلظَّوَاهِرُ التَّحويليَّةُ فِي الثُّلثِ الأَوَّلِ مِنْ صَحِيْحِ البُخَارِي؛ دِرَاسَةٌ تَرْکِيْبِيَّةٌ دِلَالِيَّةٌ)

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلف

کلية الأداب والعلوم الإنسانية ,جامعة الملک عبد العزيز

المستخلص

فأجمعَ علماءُ الأُمَّةِ وعامَّتُها على الأخذِ بالحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ في کُلِّ العُلُومِ العَربيَّةِ، ولَـمْ يتخلَّفْ عُلماءُ اللُّغةِ عَنْ هذا الإجماعِ إلا بَعْضَ قُدَامَى النَّحْويين، فعلماءُ الأُمَّةِ يعتقدُونَ أنَّ الرَّسُولَ r أفصـحُ العَرَبِ ، وأنَّه r لم يکنْ يتکلَّم إلا بأفْصَحِ اللُّغَاتِ وأَحْسنِ التَّراکِيْبِ وأَجْزَلِـهَا ، وتُـمَثِّلُ مَادَّةُ هَذَا البَحْثِ أَهَـمِيَّةً کبيرةً لَـدَى کثيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ اَلأُمَّةِ وَعَامَتهم، وفي مُقدِّمتِهِمْ عُلَمَاءُ اَلْـحَدِيْثِ، والبَلاغِيُونَ، والنُّحاةُ، وغيرُهُمْ. وقَـْد وَصَفَ اَلْـجَاحِظُ کَلَامَ الرَّسُولِ الکريمِ r فقالعنه:"هو الکلامُ الَّذي قلَّ عددُ حُرُوفِهِ، وکَثُرَ عددُ مَعَانِيْهِ، وَجَلَّ عَنْ الصَّنعةِ، وَنُزِّهَ عَنْ التَّکلُّفِ، فکيفَ وَقَدْ عَابَ التَّشديقَ، وجانَبَ أهلَ التَّقعيدِ، واستعملَ اَلْمَبسوطَ فِي موضعِ البَسْطِ، واَلْمَقصُورَ في موضعِ اَلْقَصْرِ... ولم يتکلَّم إلا بِکَلَامٍ قَدْ حُفَّ بالعِصْمَةِ، وَشُيِّدَ بالتَّأييدِ، وَيُسِّرَ بالتَّوفيقِ، ثُـمَّ لَـمْ يُسْمَعْ النَّاسُ کَلامًا قطُّ أعمَّ نَفْعًا، ولا أَقْصَدَ لَفْظًا، ولا أعدلَ وزنًا، ولا أجملَ مَذْهبًا، ولا أَکْرَمَ مَطْلبًا، ولا أَحْسَنَ مَوْقِعًا، ولا أسهلَ مَخْرَجًا، ولا أفصحَ مَعنىً، ولا أبينَ عن فَحْوَاهُ مِن کَلَامِهِ r "([1]).
     ولَقَدْ حَسَمَ کثيرٌ مِنْ البَلاغِيينَ واللُّغويين مَوْقِفهُمْ مِنْ الاسْتِشْهَادِ بالحديثِ الشَّريفِ، بَيْدَ أَنَّ النَّحويين انقَسَمُوا حَوْلَ مَسْأَلَةِ الاستشهادِ بالحديثِ النَّبويِّ الشَّريفِ!! وقَدْ قَالَ rبُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْکَلِمِ«([2]).وقالَ ابنُ الأثيرِ عَنْ الحَدِيْثِ الشَّريفِ:"وهَذَا الحديثُ مِنْ جَوَامِعِ الکَلِمِ، وهُوَ مِنْ اَلْفَصَاحَةِ والبَلَاغَةِ، وَعَلَى غَايَةٍ لا يَنْتَهِي إِلَيْهَا وَصْفُ اَلْوَاصِفِ"([3]).وَقْد کَانَتْ لُغَةُ الحدِيْثِ الشَّريفِ مِـحْورَ اِهْتمامِ کَثيرٍ مِنْ البَاحِثينَ ودِرَاسَاتِهمْ، لکنَّ مُعْظَمَ هَذِهِ الدِّرَاسَاتِ کَانَتْ تَدُورُ في فَلَکِ النَّحْوِ التَّقليديِّ؛ وَيَصُبُّ جُلُّهَا فِي مِضْمَارِ اَلردِّ عَلَى بعضِ النُّحَاةِ القُدَامَى الَّذينَ رَفَضُوا الاسْتشْهَادَ بِالحديثِ النَّبويِّ، وعَلَّلُوا ذَلِکَ بِعِلَلٍ وأدلَّةٍ معروفةٍ.
    وفي القَرْنِ العِشرين ظهرتْ النَّظريَّةُ التَّوليديَّةُ التَّحويليَّةُ على يَدِ نعوم تشومسکي وأتباعِهِ، وهي أحدُ اَلْمَنَاهِجِ اللِّسانيَّةِ الحديثَةِ ذائعةُ الصِّيْتِ؛ الَّتي اِهْتَمَّ بدِرَاسَتِهَا عُلَمَاءُ اَلْغَرْبِ والشَّرْقِ، وَوَجَدْنَا مَنْ يتنکَّرُ لِمَنْهَجِ النُّحَاةِ العربِ ودَوْرِهِمْ وقَوَاعِدِهِمْ التَّقليديَّةِ أَوْ يُقلِّلَ مِنْ شَأْنِـهَا،بَيْدَ أنَّنا لا نُنکرُ تفوُّقَ بعضِ اَلْمُحدثين، ولکنَّ هَذَا التَّفوُّقَ بلاشکٍّ قَد استفادَ مِنْ تَرَاکِمِيَّةِ اَلْعُلُومِ وَاَلْمَنَاهِجِ، کَمَا اِسْتفَادَ مِنْ مُعطياتِ القَرْنِ العِشْرين ومُنجَزَاتِهِ العِلْمِيَّةِ والعمليَّةِ، إلا أنَّ ذلکَ لا يمنعنا مِنْ مُحاولَةِ تَتَبَّعِ بُذُوْرِ الإبْدَاعِ اللُّغويِّ والسَّبقِ لِدَى العَرَبِ وَلُغَتِهِمْ أينما وجدَ. ولَنْ نَـجِدَ أَفْضَلَ مِنْ لُغَةِ اَلْحديثِ الشَّريفِ في هَذَا الشَّأْنِ، وَلَفَتَ اِنْتِبَاهِي شُحُّ الدِّرَاسَاتِ الَّتِي تَرْبُطُ بينَ لُغَةِ الحديثِ النَّبويِ الشَّريفِ وکثيرٍ مِنْ النَّظريَّاتِ اللِّسَانِيَّةِ اَلحديثَةِ، وفي مقدمتها النَّظريَّةُ التَّوليديَّةُ التحَّويليَّةُ، فکثيرٌ مِنْ الدِّرَاسَاتِ کَانَ مُسخَّرًا للرَّدِ عَلَى اَلْمَوْقِفِ الترُّاثِي الرَّافِضِ للاسْتِشْهَادِ، فَأَرَدْتُ قِراءَةَ لُغَةِ الحديثِ بِـمنظورٍ لِسَانِـيٍّ حديثٍ، مُستفيدًا من مُنجزاتِ عِلْمِ
اللُّغةِ الحديثِ ومُستعينًا بأهمِّ أفکارِ النَّظريَّةِ التَّحويليَّةِ؛ لأقفَ عَلَى أَوْجُهِ التَّشَابُهِ أَوْ التبايُنِ بينهما.



([1]) الجاحظ، 1968م،البيان والتبيين،تحقيق:فوزي عطوي، دار صعب، بيروت،لبنان، ط1،(1/221).


([2]) البخاري، 1987م، صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى ديب البغا، دار ابن کثير، اليمامة، بيروت، الطبعة الثالثة،، کتاب: الجهاد والسير، باب: قول النبي (نصرت بالرعب مسيرة شهر)(3/1087/ح:2815).


([3]) ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المکتبة العصرية، بيروت (2/111).

الموضوعات الرئيسية