البُعْـدُ التَّدَاوُلِـي فِي اَلْمُقْتَضَبِ لِلْمُبَرِّدِ

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلف

أستاذ النحو والصرف المشارک بجامعة تبوک، المملکة العربية السعودية

المستخلص

فإنَّ مَبدأَ استلْهَامِ تُراثنا العربيِّ ذُو قيمَةٍ کبيرةٍ فِي تَأْصِيلِ أُمَّتِنَا اَلْعَربيَّةِ، فَفِي هَذَا الاسْتِلْهَامِ خَلْقٌ لِفِکْرِنَا العربيِّ المُعَاصِرِ، وتَأْسِيْسٌ للمُستقبلِ عَلَى أُصُولِ المَاضِي، وَلَقدْ کانَ مِنْ مَظاهِرِ اکْتِمَالِ عِلْمِ اللِّسَانِيَّاتِ، عَلَى الرُّغْـمِ مِنْ قِصَرِ الزَّمَنِ الَّذِي قَطَعَهُ، أنَّ رُوَّادَهُ عَکَفُوا عَلَى التُّراثِ اللُّغويِّ القَدِيْمِ يَدْرُسُوْنَهُ، وَيَسْتَلْهِمُوْنَ مِنْهُ مَا يُسْهِمُ فِي إِرْسَاءِ دَعائِمِ لِسَانِيَّاتٍ حَدِيْثَةٍ، تَأْخُذُ مَکَانَهَا اَللَّائِقَ ضِمْنَ العُلُومِ الإِنْسَانِيَّةِ ([1])، وإنَّ:" تَطبيقَ المَفْهومِ التَّداوليِّ عَلَى اللُّغَةِ العَرَبيَّةِ سَيُسْهِمُ فِي وَصْفِهَا وَرَصْدِ خَصَائِصِهَا وَتَفْسِيْرِ ظَوَاهِرِهَا اَلْخَطَابيَّةِ التَّوَاصُلِيَّةِ، کَمَا نَعْتَقِـدُ أَنَّ اِسْتِثْمَارَهُ فِي قِرَاءَةِ الإنتاجِ العِلْمِيِّ لِعُلَمَائِنَا القُدَامَى سَيُسْهِمُ ،أَيْضًا، فِي اِکْتِشَافِ وَتَثْمِيْنِ جَوَانِبَ مِنْ اَلْجُهُوْدِ اَلْجَبَّارَةِ اَلَّتِي بَذَلَهَا أُوَلِئکَ اَلْعُلَمَاءِ اَلأَجِلَّاءِ"([2]).
   وإنَّ أهمَّ ما يُميِّزُ الدرس اللغوي العربي القديم أنَّه يقوم على دراسة اللغة أثناء الاستعمال منذ بدايته؛ ومثال ذلک تأکيد کثير من علمائنا القدامى أنَّ اللغة تُؤخذُ استعمالًا لا قاعدةً، واعتبروا أنَّ ما نطقت به العرب هو الأصلَ في کُلِّ ظاهرةٍ؛ حيث يقولُ السيوطي مثلاً:"إذا أتاک القياسُ إلى شيءٍ ما، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره، فدع ما کنت عليه"([3]). ويظهر من خلال ذلک قيمة الاستعمال وما تتداوله العرب في اللغة، وأهميته في تحديد أساليبها وطُرق أدائها.
أَهَمِيَّةُ اَلْبَحْثِ، وَأَسْبَابُهُ، وَمَنْهَجُهُ، وَخُطَّتُهُ:
ــ تُعدُّ هذه الدراسة من الدراسات العربية التطبيقية؛ لاتِّخاذها کتاب (المقتضب) النحوي مجالًا تطبيقيًا لدراسة ظاهرة التداولية ومحاولة الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
ــ الکشف عن التفکير اللساني العربي القديم من ملامح وجذور وأصول عن طريق ظاهرة التداولية بعدِّها أداة من أدوات قراءاته والبحث فيه بطريقة جديدة.
ــ الکشف علميًا عن أسبقية العرب لمعرفة أصول هذا الإتجاه (التداولية) يقول (سويرتي) "إنَّ النُّحاة والفلاسفة المسلمين، والبلاغيين والمفکرين مارسوا المنهج التداولي قبل أن يذيع صيته بصفته فلسفة وعلمًا، رؤية واتجاهًا
أمريکيا وأوربيًّا، فقد وظفى المنهج التداولي بوعي في تحليل الظواهر والعلاقات (المتنوعة)"([4]).
ــ إن أهمية اللسانيات تکمن في کونها تفتح آفاقًا جديدة للغة العربية ولنحوها من خلال وسائل نظرية ومنهجية أفضل وتقنيات أدق ذات مردودية([5]).
ــ معرفة وشائج القربى وأواصر الإنسجام مما أنتجه وأبدعه العقل العربي في الدرس اللغوي وبين التداولية الغربية وبين لغات البشرية جمعاء.
ولهذه سميتُ هذه الدراسة «البعد التداولي في المقتضب للمبرد»، لأتحقق من بعض الجهد الذي قدَّمه النحاة العرب القدامى متخذه کتاب (المقتضب) أنموذجا.
   وَاعْتَمَدْتُ فِي هَذِه اَلدِّرَاسَةِ عَلَى اَلْمَنْهَجِ اَلاسْتِقْرَائِي اَلتَّحْلِيْلِي، مُسْتَعِيْنَةً بِکُلِّ مَا تَيَسَّرَ لِي مِنْ آَرَاءٍ وشَوَاهِدَ وَأَمْثِلَةٍ تَخْدُمُ مَوْضُوْعَ اَلدِّرَاسَةِ، دُوْنَ اَلاقْتِصَارِ عَلَى رَأْي عَالمٍ دُوْنَ غَيْرِهِ، أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ مَذْهَبٍ دُوْنَ غَيْرِهِ، وَأَهْدَفُ مِنْ ذَلِکَ تَقْدِيْمَ دِرَاسَةٍ لُغَوِيَّةٍ نَحْوِيَّةٍ شَامِلَةٍ حَوْلَ هَذَا اَلْمَوْضُوْعِ .ويأتي هذا البحث في مقدمة وتمهيدٍ وثلاثة مباحث ذيلتها بالخاتمة التي لخصت فيها أهم نتائج الدراسة



([1]) يُنْظَرُ: التَّفکيرُ اللِّسانيُّ في الحَضَارَةِ العربيَّةِ، لعبد السلام المسدِّي، ص11.


([2]) التَّداوليَّةُ عند العُلماءِ العربِ، لمسعود صحراوي، ص6.


([3]) الاقتراح في علم أصول النحو، للسيوطي، ص116.


[4])) محمد سويرتي، اللغة ودلالاتها، تقريب تداولي للمصطلح البلاغي، مجلة عالم الفکر، مج 28، ع3، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الکويت، 2000م.


[5])) اللسانيات في الثقافة العربية: 170.

الموضوعات الرئيسية