تآلف الأنساق الثقافية في شعر النضال مقارنة بين کو أون والمقالح

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلف

کلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الملک عبدالعزيز

المستخلص

تتعامل الدراسة النقدية المقارنة هنا مع مجموعة من المؤثرات الواعية واللاواعية ويصبح التفريق بين عناصر التشابه النصي التي ترجع إلى مؤثرات خارجية، وبين تلک المنبثقة من الذات الفردية هي قضية التحدي. تتوصل المقالة إلى أن اشتراک شعر کل من کو أون والمقالح في خلق الأنساق الثقافية ذاتها على تباعدهما المکاني والعرقي واللغوي والثقافي ليس إلا دليلا على أن الإنسان واحد في کل مکان يؤرقه خصوصا هاجس الوطن، وأن الإنسان أينما کان تحکمه ذاکرة جمعية لا شعورية تسيطر على رؤيته لما حوله. من هذا المنطلق يمکن اعتبار المنبثق من الذات الفردية هو أيضا مفرز من تراکمات خبرات جمعية فکما تحولت الأم إلى وطن، تحول الوطن إلى جزيئات من تجارب فردية معاشة تجتمع لتحدد ملامحه وقسماته. وحين نعرف الثقافة بأنها ليست حزمة من أنماط السلوک، ولا هي العادات والتقاليد والأعراف، بل هي آليات الهيمنة على سلوک الإنسان([1])عندها تصبح للصورة الفنية وللتورية الثقافية في النصوص قيمة أکثر من القيمة الجمالية، يظهر ذلک في الإزدواجية الدلالية بين الرمز وبين الحقيقة، فالخطاب في کل النصوص المدروسة يحمل بعدين أحدهما حاضر وماثل في الفعل اللغوي المکشوف حتى وإن کان غامضا أو مرکبا، والآخر يمس المضمر أو الدلالي والذي يتحکم في العلاقات وحالات التفاعل فيدير الأفعال ويوجهها. استطاعت المقالة من خلال اکتناه تلک التوريات أن تستنبط وتحلل وتقارن بين عدد من الأنساق الثقافية لشعر النضال والتي تمظهرت بهيئة سيرة غيرية، أولقطة عابرة من لقطات الحياة اليومية، مخفية ملامح أيدولوجية وثقافية وسياسية هي في الحقيقة الغرض الأساسي الذي من أجله صنعت تلک النصوص.
توحدت الأنساق الثقافية لشعر النضال المستنبطة عند کل من کو أون والمقالح کالتالي: نسق الأم وإن علت رمز للوطن، ونسق الأب وإن علا رمز للفرد المثالي، ونسق الجندي الشهيد رمز للحرية والشرف، أما نسق الطفل في الحرب فيرسمه مناضلا صامتا تشعل معاناته حماسة الأفراد. يتسع النسق ليشمل الحيوانات في وفائها وولائها وأنفتها وانسحابها، ويرتبط نسق المکان بقضية النضال من منطلق السببية، فمن أجل المکان الذي يمثل الروح والهوية ويغدو جزءا من الوجود والکيان يکون النضال، فهو ليس مسرحا للأحداث فحسب بل الباعث لها.
هناک ثمة قواسم مشترکة بين الشاعرين، ربما أحدها أن القارئ غالبا لا يتذکر الفرد المذکور في قصيدة بعينها في ذاته حالما ينتهي من القصيدة، وإنما يخلد لديه الأثر الذي خلفه ذلک الشخص أو النسق الذي يبعثه. أما ثانيها فهو التماهي العميق بين الأسطوري واليومي والجمعي والفردي في الخطاب النصي، مما يمنح أبعادا وتأويلات عديدة وطاقات للمعاني المحتملة يهب البحث وراءها لذة حقيقية ومرامي سحيقة. إن صورة عشتار، وحضور التنين، وقدسية البقرة.. طاقات تنفتح من خلالها تأويلات عدة للنصوص. وأما ثالثها فهو أن السير الغيرية الصغيرة الملتقطة لا تنم عن أصحابها بقدر ما تمثل الذات المنتجة لها والتي التقطت ذلک المشهد دون غيره، من زاوية بعينها دون غيرها، وبذلک تتحول تلکم السير الغيرية إلى سيرة ذاتية کبيرة للذات المنتجة.أو قد تکون سيرة عمومية لشخص إسمه الوطن. ورابعها أن في النصوص وله محموم بالتمسک بالعادات، والتقاليد، والأعراف الخاصة بالوطن وأهله، في محاولة لمقاومة المدنية التي تقتل التمايز، وتجعل من البشر صورا مکررة لبعضهم البعض، وکأن النصوص في بواطنها تنادي بقمع العولمة بشکل أو بآخر. وخامسها البساطة المطلقة، واللقطة الذکية، التي يقتنصها کلاهما في مشهد يومي عادي، ثم يحولها إلى قضية تسترعي النظر، ودرس في المواطنة والنضال.
قد تحيک الأنساق الثقافية المکتشفة في هذا المقال حلة عالمية يلبسها الشعر. استطاعت المقالة أن تثبت أن الشعرين العربي متمثلا في المقالح، والکوري متمثلا في کو أون، قد اکتسيا هذه الحلة تماما وإن تباينت الأقمشة والألوان کل قطر بما تمليه ثقافته. ويبقى لباحث آخر استعارة الأنساق الثقافية التي استنبطتها المقالة واختبار فاعليتها عند شعراء مناضلين آخرين. کما يبقى باب البحث عن أنساق ثقافية أخرى في قضية النضال أو غيرها مفتوحا وواعدا.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية