الخروج على الوزن في الشعر القديم

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلف

کلية الاداب , جامعة الاسکندرية

المستخلص

الشعر والوزنالوزن أحد أرکان الشعر العربي؛ وهو في تعريفات بعض القدماء أهمها على الإطلاق؛ ومنذ أن عرف قدامة الشعر بأنه (کلام موزون مقفى يدل على معنى)؛ والعلماء يضعون الوزن على رأس مکونات الشعر؛ ولذلک يقول صاحب الهوامل والشوامل "ولما کان الناطق والطائر يشترکان في الحي الذي هو جنس لهما، ثم ينفصل الناطق عن الطائر بفضل النطق - فکذلک النظم والنثر يشترکان في الکلام الذي هو جنس لهما، ثم ينفصل النظم عن النثر بفضل الوزن الذي به صار المنظوم منظوماً، ولما کان الوزن حلية زائدة، وصورة فاضلة على النثر صار الشعر أفضل من النثر من جهة الوزن، فإن اعتبرت المعاني مشترکة بين النظم والنثر، وليس من هذه الجهة تميز أحدهما من الآخر، بل يکون کل واحد منهما صدقاً مرة، وکذباً مرة، وصحيحاً مرة، وسقيماً أخرى.ومثال النظم من الکلام مثال اللحن من النظم، فکما أن اللحن يکتسي منه النظم صورة زائدة على ما کان له، کذلک صفة النظم الذي يکتسي منه الکلام صورة زائدة على ما کان له. وقد أفصح أبو تمام عن هذا حين قال:





هي جوهر نثر فإن ألفته


 


بالنظم صار قلائداً وعقوداً."([1])





وربما بسبب من هذا کان النبي e يتوخي أن يغير من ألفاظ الشعر بحيث يختل الوزن فلا يعود شعرا؛ وإن کان المعنى واحدا؛ فمن ذلک ما تمثل به e "وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، کان يتمثل بقول طرفة:
ويأتيک بالأخبار من لم تزود
وهو نصف بيت مجموعه:





ستبدي لک الأيام ما کنت جاهلاً


 


ويأتيک بالأخبار من لم تزود





ويروى أنه صلى الله عليه وسلم کان يخرجه عن الوزن، ويحيله عن طريق الشعر، فکان يقول: (ويأتيک من لم تزود بالأخبار) فراراً من قول الشعر المنزه عنه مقامه العالي، وشرفه الرفيع، لکن ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أصدق کلمة قالها شاعر کلمة لبيد) :

ألا کل شيء ما خلا الله باطل
والمحرم عليه صلى الله عليه وسلم، إنما هو نظم الشعر دون إنشاده وسماعه. "([1])
وربما لهذا أيضا لم يسم الناس ما جاء موزنا من القرآن الکريم أو من قول النبي شعرا؛ امتثالا لقول الله تعالى:
)وما علمناه الشعر؛ وما ينبغي له(
لذا يقول ابن عبد ربه عن هذا اللون من الکلام: "فهذا من المَنثور الذي يُوافِق المنظوم، وإن لَم يتعمد به قائله المنظوم. ومثل هذا من کلام الناس کثير يأخذه الوَزن، مثلُ قول عبد مملوک لمواليه: اذهبوا بي إلى الطبيب، وقولوا قد اکتوى. ومثله کثير مما يأخذه الوزن ولا يُراد به الشعر. ولا يُسمَّى قولُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وإن کان موزوناً، شعراً، لأنه لا يراد به الشّعر. ومثلُه في آي الکتاب: " ومِن اللَّيْل فَسَبّحه وإدْبَار النُّجوم " ومنه: " وجِفَان کالجَوَاب وقُدُور راسيات " ومثله " ويُخزْهم ويَنْصرکم عليهم ويَشْفِ صدور قوم مُؤمنين " ومنه: " فَذَلکَ الَّذي يَدُعِّ اليَتيم " . ولو تطلّبت في رسائل الناس وکلامهم لوجدت فيه ما يَحتمل الوزن کثيراً ولا يُسمّى شعراً. من ذلک قولُ القائل: مَن يشتري باذنجان. تقطيعه: مستفعلن مفعولات. وهذا کثير."([2])
وقد عد الجاحظ الوزن جزءا من جمال الشعر العربي الذي تفاخر به العربية سائر الأمم؛ ولذلک قال إن الشعر لا يمکن أن يترجم وإلا فقد أهم ما يميزه في باب البيان
" وقد نُقِلَتْ کتبُ الهند، وتُرجمتْ حکم اليونانيّة، وحُوِّلت آدابُ الفرس، فبعضها ازدادَ حُسناً، وبعضها ما انتقص شيئاً، ولو حوّلت حکمة العرب، لبطل ذلک المعجزُ الذي هو الوزن، مع أنَّهم لو حوَّلوها لم يجدوا في معانيها شيئاً لم تذکرْه العجم في کتبهم ، التي وضعت لمعاشهم وفِطَنهم وحِکمَهم، وقد نُقِلَتْ هذه الکتبُ من أمَّةٍ إلى أمّة، ومن قَرن إلى قرن، ومِن لسانٍ إلى لسان، حتى انتهت إلينا،



([1]) صبح الأعشى في صناعة الإنشا – القلقشندي – تحقيق محمد حسين شمس الدين وآخرين – دار الکتب العلمية - ج 1 ص 125


([2]) العقد الفريد لابن عبد ربه – تحقيق محمد عبد القادر شاهين – المکتبة العصرية - ج 2 ص 311.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية