الحلم بالعدل في رواية (رحلة ابن فطومة) لنجيب محفوظ

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلف

کلية البنات , جامعة عبن شمس

المستخلص

عنى نجيب محفوظ في قصصه وبعض رواياته "بإزاحة" الظلم الذي تتعرض له "الشخصية الفنية"؛ لإحلال "العدل" وإقراره في بيئة سادها الظلم وغلب عليها الإحساس بالقهر. فليس من المقبول أن يظل المرء خاضعاً لعبء الظلم بغير مجابهته أو رفضه سراً أو جهراً. فکيف تستقيم الحياة بينما تنحني الرؤوس لظالم متعسف دون "تصرف احتجاجي" أو "دعوة" مباشرة تهدف إلى تبصير النفوس، تدعو إليه شخصية ملائمة قادرة على التنفيذ، أو تدعو إليه شخصية تتعرض لمتاعب جمّة للکشف عن الظلم وتحلم بالعدل، وتقدم خبرتها للأجيال. کما نرى في رواية (رحلة ابن فطومة) ([1])".فبطلها الشاب "قنديل العنابي" يعانى من إحباط شديد نتيجة معرفته الأکيدة بالأحوال المتردية في وطنه، وأغلب سکانه يعيشون في فقر وجهل بسبب غياب "العدالة، وتسلط الظلم" عليهم وقهر إرادتهم وقد استند إلى ثقافة علمية وأدبية استقاها من بيئته ومن معلمه الشيخ – في القيام برحلة إلى أوطان أخرى؛ ليعود بخبرة تفيد وطنه. فقد رأى کثيراً العنفَ والقسوة والقتل يصدر عن الطبقة الحاکمة دون رادع ديني أو أخلاقي، فکم رأى "سيف الجلاد وهو يضرب الأعناق، وکل فعل جميل أو قبيح يستهل باسم الله الرحمن الرحيم([2])"، ودائماً ما يرى الطرقات "تزدحم بالفقراء والجهلاء". وقد أرجع معلمه الشيخ مغاغة الجبيلي ذلک إلى أن "الإسلام اليوم قابع في الجوامع لا يتعداها إلى الخارج([3])"؛ ومن ثم جاء تعليق قنديل مناسباً حين قال يعقب على قول شيخه ومعلمه: "إذن إبليس هو الذي يهيمن علينا لا الوحي([4])". وقد اقترح الشيخ على تلميذه أن يرتحل إلى ديار غير ديار المسلمين؛ "فجميعها متضاربة في الأحوال والمشارب والطقوس، بعيدة کلها عن روح الإسلام الحقيقي". ولذلک استجاب إلى اقتراحه بأن الفائدة لن تتحقق إلا بمشاهدة بلدان أخرى. ذلک أن "الجديد"

الذي يسعى إليه سيقف عليه في ديار جديدة وغريبة في الصحراء الجنوبية. وهي ديار "المشرق، والحيرة، والحلبة، والأمان، والغروب ". وهى على کل حال "ديار وثنية" لا يجد فيها الغريب أو في الطريق إليها "إلا الأمن لحاجتها الملحّة إلى التجارة والسياحة([1])". ولکن الرحلة المنشودة التي يجب أن يتذکرها دائمًا ، ليقوم بها في رأي الشيخ المعلم هي الرحلة إلى "دار الجبل" التي تناولها الشيخ مغاغة بهذا الوصف:
-       "نسمع عنها الکثير، کأنها معجزة البلاد، کأنها الکمال الذي ليس بعده کمال([2])".
-   ودار الجبل إلى جانب هذا الوصف الموجز لم يجد الشيخ أي إنسان - طوال حياته المديدة - زارها أو کتب أحد عنها کتاباً أو مخطوطاً؛ ولذلک صاح قنديل متعجبًا:
-       إنها سر مغلق.
ويبدو أن هذا السر المغلق قد استثار الشاب الطموح؛ ففکر في القيام بالرحلة. يقول: "وکأي سر مغلق شدني إلى حافته، وغاص في ظلماته، وضرم النار في خيالي، وکلما ساءني قول أو فعل رفّتْ روحي حول دار الجبل([3]).
وقد عمد الکاتب إلى تعزيز فکرة الشاب في الرحيل – بواقعة ظلم فادح تعلق باختياره فتاة رغب في الزواج منها ... فتاة فقيرة ترتدى الجلباب وخمار الرأس، تقود والدها الضرير رأى في وجهها جمالاً أسره في لحظة عابرة أثناء سيرهما؛ فحين أوشکت على السقوط بسبب التعثر "تحرک رأسها حرکة نافرة أطاحت بطرف الخمار عن وجهها فانطبع بتمامه على بصري غارساً حسنه في أرکان وجداني([4])". وکانت هذه اللحظة کافية لتتمکن منه الفتاة "تلقيت في لحظة عابرة رسالة طويلة مشحونة بکافة الرموز التي تقرر مصير قلب([5])".
وقد تجسد الظلم في "حرمانه" من حليمة الطنطاوي التي اختارها قلبه، ووافقت عليها والدته ومعلمه الشيخ، ذلک أن "الحاجب الثالث" للوالي الحاکم



([1]) السابق: ص9.


([2]) السابق: ص10.


([3]) السابق: ص13.


([4]) السابق: ص13.


([5]) السابق: ص13.





([1]) مکتبة مصر ، ط (1)، 1982.


([2]) السابق: ص5.


([3]) السابق: ص8.


([4]) السابق: ص9.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية