الكتابة عن ذوي الهمم في التراث العربي

نوع المستند : أبحاث علمیة

المؤلفون

1 كلية الآداب _ جامعة طنطا

2 أستاذ بقسم اللغة العربية كلية الآداب _جامعة طنطا

المستخلص

اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الأشخاص ذَوي الإعاقة ( ذوي الهمم ) في 13 ديسمبر 2006م، وتضمنت تعزيز وحماية وكفالة تمتُّع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتُّعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين بجميع حقوق الإنسان، والحُريَّات الأساسية، وتعزيز احترام كرامتهم المتأصلة .
ويشمل مصطلح " الأشخاص ذوي الإعاقة " كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل : بدنية، أو عقلية، أو ذهنية، أو حِسِّية، قد تمنعهم لدى التعامل مع  الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعَّالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين .
وقد كان تراثنا العربي سبّاقا في الاهتمام بذوي الهمم ( أصحاب العاهات والاحتياجات الخاصة)، والكتابة عنهم، ورصد أحوالهم ومعاناتهم، والتنويه عن فضائلهم وتميزهم في جوانب الحياة المختلفة، ووصول بعضهم إلى قمم المجد والشرف والسيادة . وخُصِّصتْ كتب كثيرة للكتابة عن ذوي الهمم على اختلاف أنواعهم وتنوع إعاقتهم، فألّف " أبو عبد الرحمن  الهيثم بن عَدِيّ بن عبد الرحمن الطائي الكوفي " ( ت 207 هـ ) كتابه" المثالب "، تناول فيه مشاهير العرب وأشرافهم من العُميان، والعُور، والحُولان، والبرصان، والعرجان، وخصص أبو جعفر محمد بن حبيب الهاشمي البغدادي (ت 245هـ ) فصلا في كتابه " المُحَبَّر " عن الأشراف من ذوي الهمم ( العاهات )، وألَّف الجاحظ أبو عثمان عمرو بن بحر ( 159- 255هـ ) كتابه المشهور " البُرصان والعُرجان والعُميان والحُولان  " للحديث عن ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة ، وتحدث أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة قتيبة الدينوري        ( 213- 276هـ ) عن ذوي الهمم ( أصحاب العاهات) من البُرص، والعُرج، والصُّم، والجُدع، والجذمَى، والحُول، والصُّلع في فصل خاص في كتابه المشهور " المعارف " ، وأشار المؤرخ أبو الفرج عبد الرحمن  بن الجوزي ( 510-   597 هـ ) إلى الأشراف من ذوي الهمم والعاهات المتنوعة في كتابه " تلقيح فُهوم أهل الأثر في عيون التواريخ والسير " ، وألف أبو الصفاء صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصَّفَدي ( 696- 764هـ ) كتابين عن صنفين من ذوي العاهات البصرية الذين بلغوا مراتب الشرف والنباهة والسيادة : " نَكْت الهِميان في نُكت العُميان "، و " الشُّعور بالعُور "، وفي القرن العاشر الهجري ألَّف محب الدين محمد بن عبد العزيز الهاشمي المكي   ( ت 954 هـ ) كتابا عن ذوي الهمم الذين بلغوا مراتب الشرف والسيادة بعنوان " النُّكت الظِّراف في الموعظة بذوي العاهات من الأشراف " .
ومن بين الكتب التي أُلِّفت عن ذوي الهمم في التراث العربي، يتميز كتاب (البرصان والعرجان والعميان والحولان) للجاحظ (159- 255هـ) بدراسة ذوي الهمم  بقدر كبير من التعظيم و التقدير والاحترام ، وذكرهم في صورة ناصعة مشرقة ، وأن إعاقتهم لم تمنعهم من السيادة والوصول للقمم ، وقد مهّد لذلك بسرد شواهد وآثار من أدب العرب القدامى والمعاصرين له، في الاعتزاز ببعض العاهات، والدفاع عنها، والصعود أحيانا إلى الفخر بها والتمدّح بفضائلها، وذكر تفاصيل كثيرة لأنواع الإعاقات والعاهات عندهم، وتصدَّى لمن ذمّهم أو انتقص منهم ونهب حقوقهم . فهذه الدراسة تحاول الكشف عن مكانة هذا الكتاب بين غيره من الكتب التي تناولت أصحاب العاهات والإعاقات وذوي الهمم في التراث الأدبي العربي ، فكل كتاب الكتب السابقة عليه تناول ذوي الهمم وأصحاب الإعاقات  بإيجاز  وإشارات بسيطة في مبحث أو باب من أبواب الكتاب  ، وهذا ما جعل كتاب الجاحظ كتابًا متفردا في التراث العربي الحضاري، وموسوعة في بابه،  حيث ذكر فيه كل أنواع الإعاقات، وفضائل أصحابها، ومكانتهم العالية التي وصلوا إليها مع إعاقاتهم ومعاناتهم في حياتهم، وهو ما لم يذكر في غيره من المؤلفات .
وتُعنى هذه الدراسة بتوضيح منهجية الجاحظ في كتابه (البرصان والعرجان والعميان والحولان) ، وقيمته الإنسانية والاجتماعية والحضارية، لإنصاف ذوي الهمم وأصحاب الإعاقات، ورد اعتبارهم في المجتمع ، واستدل الجاحظ بنصوص القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ليبين لنا  تميُّز الدين الإسلامي بالتعامل الإنساني الحضاري مع ذوي الهمم؛ لذا يعد كتاب الجاحظ ( 159- 255هـ ) عن ذوي الهمم  رسالة إنسانية حضارية رائدة في الثراث العربي، وأثر في الكتب التي أُلِّفت بعده في القرون التالية  .

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية